الأسلوب الذي تعاملت بها السلطات السودانية مع المدرسة البريطانية المتهمة بالإساءة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام تؤكد مرة أخري أن مجتمعاتنا الاسلامية لم تبلغ بعد سن الرشد وأن التقدير السييء للأمور والسطحية لاتزال سمات غالبة تحكم تصرفاتنا.
المدرسة جليان جيبونز البالغة من العمر52 عاما كانت تعمل في مدرسة الاتحاد الابتدائية السودانية التي تطبق المنهج الدراسي البريطاني, واستنادا لهذا المنهج طلبت من تلاميذ الصف الثاني الابتدائي اختيار اسم لدمية علي شكل دب في اطار واجب مدرسي يتضمن كتابة موضوع تخيلي عن الأنشطة التي يقوم بها الأطفال في منازلهم وهم يلعبون بالدمية.
واقترح الأطفال8 من الأسماء المتداولة في السودان من بينها حسن وعبد الله ومحمد, ولأن المدرسة تنتمي لثقافة ديمقراطية تحترم رأي الأغلبية فقد طلبت التصويت لاختيار الاسم فاختار20 من التلاميذ محمد مقابل3 اختاروا أسماء أخري, فاستقر الأمر علي الاسم الذي اختاره التلاميذ. في اليوم التالي تقدم عدد من أولياء الأمور بشكاوي لوزارة التربية والتعليم ضد المدرسة التي أهانت الرسول عليه السلام باطلاقها اسمه الكريم علي دمية, فتم اعتقال المدرسة وانتهي الأمر بحكم قضائي بسجنها15 يوما ومغادرة البلاد, تطبيقا للمادة125 من القانون الجنائي التي تمنع اهانة المعتقدات الدينية وكالعادة في مثل هذه الأمور تدخلت السلطات البريطانية علي أعلي مستوي لصالح المدرسة فصدر قرار رئاسي بالعفو عن جيبوفيز لتغادر الخرطوم عائدة الي بلادها معززة مكرمة ولتصبح مادة خصبة لوسائل الإعلام التي تفننت في كتابة موضوعات تظهر مدي سطحية التفكير في المجتمعات الاسلامية..
المدرسة وصلت الي السودان في أغسطس الماضي وبالتالي فهي ليست علي علم بالحساسيات الدينية للمجتمع السوداني, وهي لم تفرض الاسم علي التلاميذ وانما اختاروه بأنفسهم, ولو رأي بعض أولياء الأمور في اختيار الاسم اهانة للرسول الكريم, ولاأعتقد ذلك, لكان من الأولي أن يلوموا أنفسهم لأنهم لم يربوا أولادهم علي احترام الرسول الكريم.
وكان من الممكن أن تنتهي المشكلة بسلام اذا ماقرر أولياء الأمور التوجه لمقابلة المدرسة وشرح الأمر لها ومن الطبيعي أن تتفهم الأمر وتصلح الخطأ, ولكن الأمور لاتعالج هكذا في مجتمعاتنا ولابد من اضافة بعض الدراما علي الأشياء واختلاق مواقف بطولية ـ لاتتعد الكلام غالبا ـ دفاعا عن المقدسات ولذلك كان لابد من تصعيد الأمر وصولا للمحكمة.
وفي المحكمة كان من المفترض أن يتنبه القاضي لملابسات الموضوع وعدم وجود نية للاساءة أو علي أقصي تقدير يقبل باعتذار المدرسة عما قامت به دون قصد, ولدينا في سنة رسول الرحمة مايدعم هذا الاجراء حين بال شخص داخل المسجد فطلب من أصحابه عدم الفتك به والاكتفاء بسكب بعض الماء فوق بوله, ولكن ذلك لم يحدث وصدر الحكم بالسجن, ثم يأتي العفو الرئاسي ليبعث برسالة مفادها اننا نتراجع عن عقاب من نظن أنه أساء للرسول الكريم, بعد أن ثبت ذلك بحكم المحكمة.
نحن شعوب نثور لأقل الأسباب ونصدر أحكاما لاتستند للمنطق ثم نتراجع عنها فور تعرضنا لضغوط دولية.. هذه هي صورتنا الآن في أذهان الغرب الذي نتهمه بعدم فهم الاسلام وسماحته.. أعتقد أننا في حاجة لفهم حقيقة الاسلام قبل أن نطالب الآخرين بذلك, لقد أتي الرسول الكريم برسالة سماوية راقية ولكننا نصر علي التعامل مع القشور دون الجوهر, واذا كان الاسلام قد انتشر في جنوب شرق آسيا عبر الاحتكاك بالتجار المسلمين فما هو الانطباع الذي نتركه حاليا عند تعاملنا مع الآخر.