لا تقربوا الصــــلاة ...

حادثة غرق ما يقرب من مائة وثمانون مصرياً قبالة السواحل الإيطالية
أحزن كل بيت مصري علي خيرة شباب هذا الوطن والذي يرمي بنفسه
بين الأمواج مغامراً بحياته من أجل البحث عن لقمة العيش ...
وقد تكررت كثيراً مثل هذه الحوادث.. ورغم كل ما حدث ويحدث لم يتعظ
الشباب مما يحدث لأقرانهم من موت أو عودة مهينة ...
لن أتحدث هنا عن أسباب هذه المشكلة ولا طرق علاجها ولا صمت الحكومة
عن وضع حد للقضاء علي الهجرة الغير شرعية ولها من الطرق الكثير والكثير
ولكن سأركز علي نقطة واحدة أثارتني كثيراً في متابعتي لتطورات ما حدث ..
فلقد طالعتنا احدي الصحف بعنوان ضخم رنان أذهل الجميع تماماً ... وهو تصريح منسوب
لفضيلة المفتي بالصفحة الأولي وبالبنط العريض
" ليسوا شهداء ... بل طماعون "
فمن الطبيعي وفي هذه التوقيت الحساس وأهل الغرقى والشعب عامة مازال مصدوماً
ويعاني من آثار الحدث الجلل .. ويفاجئ بالمفتي يصدر مثل هذه الفتوى الغريبة ..
وبالفعل أثار هذا العنوان معظم طبقات المجتمع وبدأ سيل من الهجوم القوي علي شخص
المفتي وفتواه .. وبدأت معظم الأقلام في الصحافة وشبكة الإنترنت في تناول معظم فتاوى
المفتي التي أثارت الجدل ووصلت تلك الحملة إلي حد التعرض له بأقذع الألفاظ والعبارات
كل هذا بسبب عنوان ومقالة بإحدى الصحف التي حضرت لقاء المفتي الذي
أصدر فيه فتواه -كما زعمت هي - .
ما سيأتي لا أدافع به عن المفتي أو غيره بل هو لب هذا الطرح ..
قام المفتي علي الفور بعقد لقاء إعلامي أو ضح فيه ما قاله تفصيلا ًفي هذا اللقاء
والمسجل صوتاً وكتابةً .. وأن هذه الجريدة أخذت جزء من حديثه ونشرته منفرداً
خارجاً عن سياق الكلام والموضوع الذي ورد به ..وهو ما أحدث الأزمة فالرجل
حديثه كان إجابة لسؤال حول هل هؤلاء الشباب شهداء أم لا ؟ .. وقد أكد الرجل
أنها ليست فتوى وأنه قرر بأن الموضوع أعمق من هذا ..وأن النية هي الأساس
فهناك من يذهب طامحاً أو طامعاً ...
ما حدث مع المفتي لم يكن الأول من نوعه ولا الأخير فلقد كانت هناك سوابق عديدة ..
وهي اختزال بعض العبارات والألفاظ ونقدها أو عرضها بطريقة مفردة ...
فعميد الأدب " طه حسين " في كتابه ( في الشعر الجاهلي ) تعرض لمثل هذا الأمر
وقد أنصفه وكيل النيابة حينها – رغم تحفظه علي بعض ما كتب طه حسين -
وقرر أن " ومن حيث إن العبارات التي يقول المبلغون إن فيها طعنا على الدين
إنما جاءت في كتاب في سياق الكلام على موضوعات كلها متعلقة بالغرض الذي
ألف الكتاب من أجله، فلأجل الفصل في هذه الشكوى لا يجوز انتزاع تلك العبارات
من موضعها والنظر إليها منفصلة، وإنما الواجب توصلا إلي تقديرها تقديرا صحيحا
بحثها حيث هي في موضعها من الكتاب ومناقشتها في السياق الذي وردت فيه، وبذلك
يمكن الوقوف على قصد المؤلف منها وتقدير مسئوليته تقديرا صحيحا ".
هذا ما أهدف إليه من هذا الطرح أسلوب وطريقة " لا تقربوا الصلاة ..."
والتي ينتهجها البعض سواء في النقد أو النقاش أو حتى النقل .. فما المانع في
أن نكمل الآية حتى نصل لمعناها الصحيح " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ
وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ(النساء 43)
فأي كتاب أو مقال أو قصة لها فكرة وعناصر وأسلوب والكثير من المقومات ...
حين نترك كل هذا وننقب عن بعض العبارات والألفاظ وننتزعها انتزاعاً ونبدأ في
مناقشتها والتدليل بها علي صواب وجهة نظرنا وخطأ صاحبها ..
فالكلمة بمفردها يمكن تأويلها وتفسيرها تفسيرات كثيرة .. لكن بوضعها داخل جملة
مفيدة في موضوع متكامل هنا يتغير معناها تماماً ..
وليكن لنا عظة وعبرة مما يقوم به الغرب وخاصة المتشددين منهم عندما يحاولون
اتهام الإسلام بأنه دين يحض علي العنف والإرهاب ويستشهدون ببعض الآيات
القرآنية التي تخدم أغراضهم المشبوهة .. وتناسوا كل ما جاء بالقرآن وعرضوا
هذه الآيات بشكل منفرد عن سياقها في القرآن .. وأيضاً عدم دراسة وقراءة هذه
الآيات دراسة متأنية وفقاً لأسباب نزولها و الظروف التاريخية التي كانت موجودة
حينها ..وأن القرآن يجب أن يؤخذ بكليته ..
ومثال لذلك الآية رقم 29 من سورة التوبة "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون". فمن يجتزئ هذه الآية الشريفة من موضعها
في القرآن ودون أن يربطها بأسباب نزولها يري فيها دعوة لقتال غير المسلمين من
مسيحيين ويهود ... لكن حقيقة الأمر غير ذلك تماماً ... فلقد نزلت بعد غزوة تبوك
بعدما علم الرسول أن الروم سوف يهاجمونه في المدينة وكان عليه الخروج لملاقاتهم
ويكون له – عليه السلام – زمام المبادرة
قبل هؤلاء الذين يدّعون أنهم أهل كتاب وهم أبعد عن ذلك .

وقد استفاد من نهج أسلوب" ولا تقربوا الصلاة .." الجماعات المتطرفة والتي تلجأ
عادة لمثل هذه الآيات لتحليل الأعمال التي يقومون بها وأنها توافق ما شرعه الله
عز وجل في قرانه الكريم .
فهكذا نري أن السلاح الذي يحاربنا به الغرب ونستنكره .. نقوم به نحن مع بعضنا البعض .
بالنهاية يجب علي من ينقل كلاماً من مصدره أن يكون أميناً في هذا النقل حتى وإن
اختصر قليلاً لكن دون أن يفقد الأصل ويحرّفه لمسخ ...وكذلك الأمانة تقتضي حين
ننتقد أن نمارسه وفقاً لقواعده وأصوله المعروفة ...وأن نناقش الموضوع باعتباره
كتلة واحدة لا أن نفككه إلي شرائح وأجزاء صغيرة مستقلة بذاتها حتى نصل إلي مرادنا
وهدفنا الغير سوي الذي ننشده .

[/size][/size][/center]

فعلا عندك حق فى كل كلمه والله

سلمت الايادى ياقمر والى الامام دائمااا

وبالتوفيق ان شاء الله