رغـم توافـق الأغلبيـة والمعارضة علي قائد الجيش


مع تأجيل جلسة مجلس النواب اللبناني الخاصة بانتخاب رئيس جديد للبلاد للمرة التاسعة الي يوم السبت المقبل‏,‏ رغم توافق الأغلبية والمعارضة علي ترشيح العماد ميشال سليمان قائد الجيش لهذا المنصب والدعم الدولي والعربي لهذا الترشيح‏,‏ تبرز علامات استفهام عديدة حول الأسباب الحقيقية للفراغ الرئاسي الذي يعيشه لبنان الآن وعلاقته ببعض المواقف الاقليمية والدولية‏,‏ وهل سيستمر مسلسل التأجيل طويلا‏,‏ علما بأن الدورة الحالية لمجلس النواب تنتهي مع نهاية الشهر الحالي‏,‏ والدورة الجديدة تبدأ في شهر مارس المقبل‏,‏ مع صعوبة عقد دورة استثنائية في ظل غياب رئيس الدولة وعدم اعتراف المعارضة بشرعية الحكومة الحالية‏.‏ وكل المشاورات التي اجريت خلال الايام والساعات الأخيرة اثبتت ان العقدة الاساسية الآن تتركز علي تركيبة الحكومة الجديدة‏,‏ فالمعارضة تصرعلي الحصول علي ثلث حقائب أي حكومة جديدة حتي تضمن عدم اتخاذ تلك الحكومة لأي قرارات مهمة بدون موافقتها طبقا للدستور اللبناني‏,‏ ولا تريد احتساب الحقائب الوزارية التي ستعود الي رئيس الجمهورية ضمن هذا الثلث‏,‏ في حين تصر الأغلبية علي ان تكون حصتها في الحكومة دون الثلثين وحصة المعارضة دون الثلث المعطل وتكون حصة رئيس الجمهورية الجديد محور التوازن بين الطرفين‏.‏ وبينما نجحت الاتصالات في تجاوز العقدة الدستورية‏,‏ في ضوء‏'‏ الفتوي‏'‏ التي أجازها بعض خبراء الدستور باعتماد التفسير الدستوري القائل بإعفاء المرشحين من الفئة الأولي إلي رئاسة الجمهورية من المهل المنصوص عنها دستورا بسبب سقوط المهل وحدوث الفراغ الدستوري‏,‏ ما يعني أنه بإمكان مرشحي الفئة الاولي الترشح من دون تعديل الدستور‏,‏ فان مشكلة الحكومة الجديدة أدت الي عودة الأمور في الملف السياسي‏,‏ الي ما دون نقطة الصفر‏,‏ بعد أن أكد النائب الحريري رفضه أية صيغة حكومية تعطي المعارضة الثلث المعطل‏,‏ واشارت مصادر الأغلبية الي ان الحريري رفض أساسا مبدأ الخوض في النقاش علي تركيبة الحكومة الجديدة في ظل الفراغ القائم‏,‏ لانه يعتبر ان رئيس الجمهورية هو حصرا المرجع الصالح الذي تناقش معه مثل هذه المسائل‏,‏ وبالتالي لم يحدث أي التزام مسبق من قبل قوي الأغلبية بنظرية‏17+13‏ والبحث لم يصل الي الارقام والحصص وما شابه لان أصل التفاوض منذ الآن بشأن هذا الطرح مرفوض كليا‏,‏ والخوض فيه سيشكل تعديا علي صلاحيات الرئيس الجديد‏.‏ وقال الحريري ان موقفنا المبدئي كان ولا يزال عدم المس بصلاحيات رئيس الجمهورية حول طريقة تشكيل الحكومة بعد الاستشارات النيابية الملزمة‏,‏ أو أي صلاحية أخري من صلاحياته‏.‏ اما الكلام عن الثلث المعطل فهو مستغرب منذ اللحظة‏,‏ اذ ان جميع من حاورنا من مبعوثين عرب ودوليين ومن قوي سياسية محلية‏,‏ يعلم علم اليقين ان موقفنا هو التمسك بأن يكون للرئيس الصوت الوازن في مجلس الوزراء‏,‏ بمعني الا يكون للأكثرية الثلثان الحاسمان ولا للمعارضة الثلث المعطل بحيث يصبح رئيس الجمهورية هو الضامن في كل القرارات‏.‏ وهكذا نري من وجهة نظرنا ان الرئيس يكون بالفعل رئيسا قويا وتكون صلاحياته معززة‏.‏ وتكشف مصادر لبنانية أن اصرار المعارضة علي الحصول علي الثلث المعطل في الحكومة الجديدة سببه الأساسي هو المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري التي يتوقع أن تبدأ عملها في منتصف العام الجديد‏,‏ وستتخذ الحكومة اللبنانية الموجودة وقتئذ قرارات مهمة لتسهيل عمل المحكمة وتوفير كل متطلباتها‏,‏ ولذلك فإن سوريا لا تريد اجراء الانتخابات الرئاسية الا بعد ان تضمن لحلفائها‏'‏ الثلث المعطل‏'‏ في الحكومة الجديدة كي تطمئن الي وجهة سير المحكمة التي تخشي ان يتم استخدامها سياسيا ضدها‏,‏ وليس سوي استمرار الفراغ الرئاسي أو حكومة لحلفائها فيها‏'‏ الثلث المعطل‏'‏ ما يطمئنها‏,‏ والا ادي استمرار هذا الفراغ الي شل عمل المؤسسات وتاليا عرقلة سير المحكمة‏.‏ وتربط هذه المصادر تحليلها بتصريحات العماد ميشال عون المتحدث الآن باسم المعارضة التي أكد فيها انه إذا لم يكن هناك من تفاوض معه حول الشروط السياسية للمعارضة فلا انتخابات في مجلس النواب‏,‏ واذا لم نستطع التفاهم الان فلنأخذ فرصة طويلة لبعد شهر مارس‏.‏ لكن الاتصالات الدولية والاقليمية التي تكثفت في الساعات الأخيرة وبلغت ذروتها في النداء الصادر عن الاجتماع الدولي الذي عقد في باريس من أجل لبنان أمس الأول ـ علي هامش المؤتمر الدولي للدول المانحة للفلسطينيين ـ من الصعب أن تترك لبنان بلا رئيس طوال الأشهر المقبلة مع المخاطر المتوقعة من وراء ذلك وعودة مسلسل الاغتيالات‏,‏ فهل يمكن أن تنجح ونري رئيسا جديدا للبنان يوم السبت المقبل حتي لو تطلب الأمر ضمانات معينة لطمأنة سوريا بشأن المحكمة الدولية ؟‏..‏ تساؤل مهم قد يكون هو مفتاح الحل‏.‏